2007/04/10

رومانتيكا









"لا نرى جيدا إلا بعيون القلب. ما هو أساسي غير مرئي للعين المجرّدة"...
من الأقوال المأثورة للأمير الصغير، عاشق الوردة...
(عن كتاب أنطوان دو سانتيكزوبيري)
في إهداءإلى صديقاتي وأصدقائي السابقين والحاليين والمستقبليين الذين لا أجد صعوبة في التعرف إليهم من أول نظرة، وبمجرد النظر في عيونهم...لأننا أتينا من المكان ذاته!


تروي الأسطورة التي همس لي بها كائن يقطن حاليا في العالم اللامرئي أنه عندما قرر الخالق أن يسمح للرومانسيين بالنزول إلى الحياة، اشترط عليهم أن ينغمسوا لمدة سبعة أيام في أجواء أجمل جنانه، أصفاها وأنقاها... سبعة أيام كاملة بليالها، سبعة أيام من تلك التي تَقاس بحساباته الكونية الخاصة، أي أنها من التكثيف بحيث يكون الإحساس شديد الالتباس بين طولها وقصرها...
بعد ذلك، يأذن لهم بالانطلاق في وهاد الحياة وفيافيها ليعيثوا فيها، أقول فعلا "ليعيثوا" فيها حبا وجمالا...
وليعيشوا أيضا في تلافيف عذاباتها، لكن هنا تكمن المشكلة، فالقبح والكره أيضا منتشران، مما يجعل مهمتهم شاقة ومضنية...

يتعرفون على بعضهم بسهولة عندما يلتقون...
مثلما يحدس بوجودهم أنصار القبح وأعداء النقاء...
تنظر إليهم، وأيا كانت الفئة التي تنتمي إليها، ستعرفهم من ومض الجمال الذي بقي منعكسا في أعينهم بعد استحمامهم في شلالات الجنة الإلهية الأولى
تعرفهم من هالة الوداعة التي تحيط بهم،
من بسمتهم التي تكثف بدورها كل النغمات مجتمعة على سلم موسيقا المشاعر ،
ابتداء من "دو" الكآبة الهادئة وحتى "سي" الابتهاج الأقصى
مرورا بالـ "ري مي فا سول لا..." الإشراق العاشق الابتسام الحاني الانفتاح الرحيم الانعزال المنغلق"،
كلها نوطات بإمكانهم أن يعزفوها على شتى مقامات" الصبا الوجد والسيكا الثقة" التي يوحي بها حضورهم

لهم جميعا أقول: "أما آن لكم أن تتحدوا لمواجهة القبح الزاحف بجحافله على الحياة...
وأن تتملكوا بعض الأسهم في مؤسستي "القابضة" على سر "ذهب الزمان"
وعندما يحين الأوان، نوزع الأرباح نثرات من البريق غير الملموس،
القادر على حماية رهافة الأحاسيس وهشاشة الحواس الخمس... طبعا دون أن ننسى السادسة أيضا... من أجل الدفاع عن الوردة....؟؟؟؟؟

2007/04/09

بقطفلك بس

في اليوم الثامن
من الشهر الرابع
من عام "الدفاع عن الوردة"...



بقطفلك بس هالمرة...
هالمرة بس...

2007/04/07

صدى الرائحة



إلى رات أيضا...

تحية إلى زمن كنتِ تعدّين فيه الملفات، فأتطفل عليك بالمشاركة تحت اسم مستعار... والنص التالي كان واحدا من مشاركاتي المتطفلة آنذاك، إذا كنت تذكرين...

قول فرنسي شائع مفاده أن "المال لا رائحة له"، وطبعا المقصود مجازا أن مصدر المال لا يُمكن أن يُعرف للوهلة الأولى... لكن من يدقق قليلا في ذاكرته البعيدة والقديمة سينتبه إلى أن للأوراق النقدية رائحة مميزة، رائحة الورق الخاص الذي صُنعت منه، ورائحة الألوان التي اصطبغت بها، ورائحة المحفظة الجلدية أو البلاستيكية التي طويت فيها بعناية، أو رائحة الجيب الذي "تكرمشت" داخله بفوضى وعصبية، أو ربما رائحة النفتالين التي كانت تملأ الخزانة حيث خبّأتها يدٌ بخيلة ليوم الحاجة ثم اضطرت لإخراجها للنور، على مضض، بعد أن راجت شائعات بقرب منع تداول الوريقات الجديدة في مظهرها، بالرغم من تقادم الزمن عليها، وقد حفظتها كرات النفتالين البيضاء من تآكل مادتها ولم تتمكن من حمايتها من تآكل قيمتها...

كل هذا لأقول بأن للمال رائحة بالمعنى الفعلي،غير أن مسألة الرائحة ذكرتني بفيلم أمريكي أحدث ضجة في مطلع سنوات السبعينات، "هارولد و مود"، ويروي قصة امرأة على عتبة الثمانين من العمر، لكنها تضجّ حيوية، التقت بشاب في الثامنة عشرة من العمر ويعاني من أخطر أنواع الاكتئاب، نوع يدفعه إلى إعداد سيناريوهات انتحار لمجرد إثارة الهلع في قلوب المحيطين به... الشاب والمرأة العجوز من هواة حضور الجنازات، وقد تعرّفا إلى بعضهما البعض في إحداها... تولدت بين الاثنين صداقة قوية، وراحت العجوز تلقن الشاب بعضا من تجاربها في الحياة.

صحبته مرة إلى زاوية من بيتها وبدأت تفتح أمامه كنوز مجموعتها من التحف النادرة اتي كانت قد جمعتها فيما مضى مع زوجها الراحل... من أثمن تحف المجموعة دزينة من القوارير الصغيرة التي بدت للشاب فارغة تماما، لكن العجوز طلبت منه الترّيث وإغماض العينين، وصارت تفتح أغطية القوارير تباعا على مقربة من أنفه وهي تقول: "لقد كنا، زوجي وأنا، مولعين بجمع الروائح التي تبدو لنا في طريقها إلى الانقراض... تنشق ما يلي، إنها رائحة مترو نيويورك عند الساعة الخامسة مساء، في عز الازدحام، خليط من روائح فحم وعرق وعطور وبخور... وداخل هذا المرطبان رائحة التراب في حديقة أطفال بعد هطول قطرات المطر الأولى مع مطلع الخريف... وهنا رائحة العشب النديّ المقطوع لتوّه... وتابعت العجوز استعراض الروائح المحفوظة في قوارير تبدو فارغة ظاهريا، لكنها مليئة بما هو غير مرئي، وقد أمكن ذلك عن طريق فعل علمي مركّب ومعقد، كان يُعتبر معجزة في الأزمنة السابقة، وسمح بحفظ الروائح في القوارير، روائح، للأسف، اختفت من الوجود بفعل تطور التقنيات والعلوم!!!

ثم توقفت المرأة المخضرمة عند قارورة فاحت منها رائحة مدهشة فاتحة للشهية، تدغدغ الأنف وتسيل اللعاب، رائحة انتزعت دمعة طفرت من زاوية العين العجوز... نظر الشاب مستغربا إلى معلمته في الحياة ثم عاد وتنشق الرائحة وقد ارتسمت في نظراته أكبر علامات الاستفهام... ابتلعت المرأة ريقها وقالت وقد علت وجهها ابتسامة امتزجت بحنان غريب: "مدهشة أليس كذلك؟ إنها رائحة الخبز الطازج الخارج توا من الفرن، نار الفرن تتأجج بحطب الأشجار، والخبز كان يُصنع يدويا من طحين وماء وخميرة وملح... إنها رائحة صباحية تجعلك تعشق نهارك وتقبل عليه بنهم!!!"
بعد ذلك، تناولت قارورة أخرى ووضعتها تحت أنفه قائلة: "جرّب هذه..."، تنشق الشاب مغمض العينين وقال: "إنها الرائحة ذاتها". ابتسمت المرأة وهي تتمتم: "أنا مسرورة لأنك لاحظت الشبه لكنها ليست الرائحة ذاتها، فالرائحة الثانية هي رائحة بشرة المرحوم زوجي عندما كان يستيقظ من النوم في الصباح، بشرته الدافئة كانت تذكّر برائحة الرغيف الساخن الذي يرغم حتى أكثر الوجوه عبوسا على الابتسام!!!"