2007/02/18

ستون شمعة


موسيقى تنبعث من البوست السابق... يخفت صوتها، ونتابع


بعد إطلالتي السريعة على إحدى وجهات النظر في فلسفة الزمن، عبر التدوينة السابقة، ولا أنكر إعجابي بها، أعود للحديث عن ذهب الزمان ونثراته التي أمضيت سنوات طويلة في جمعها وتخزينها في القارورة الصغيرة التي ترون رسمها في مكان آخر من هذه المدونة.

تأثرت للأصوات والأقلام التي راحت تدعوني إلى الخروج من عزلتي والسماح بدخول نور الحياة والحب ولو من ثقب صغير، وهنا لا بد من التذكير بعنصر هام قد غاب ربما عن أصدقاء مجتمعي الافتراضي الجديد... لقد أطفأت "ستين شمعة" قبل شهرين، وهي ترمز إلى المساحة الزمنية التي أمضيتها حتى الآن في الوجود وأنا أستهلك المليارات من لحظات "الفمتوثانية" ومن الثواني والدقائق والساعات والأيام والشهور حتى بلغت من السنوات ما يجعل ثمن الشموع في تورتة عيد الميلاد أغلى من ثمن التورتة !!! كما اعتاد أن يقول أصحاب الألسنة الطويلة واللئيمة في مزاحهم الثقيل!!!

الحياة لم تبخل عليّ بالحب، منحتني حبيّن عظيمين، الأول "أعطاني عمره" وقضى، والثاني أخذ أجمل "عمري" ومضى، وسأتغاضى عن حبي ما قبل الأول لعبد الحليم حافظ، وحبي ما قبل الأول مكرر لـ "ابن الجيران"، على أساس أنها مرحلة إجبارية لا بد من عبورها قبل نضوج العواطف...

الرسالة المعنونة "إلى مجنون" يرجع زمنها إلى عهد "ما بين الحبّين" ... بعد أن أفشل القدر حكايتي الأولى، وكنت أخشى خوض تجربة جديدة، ومع ذلك، تحديت هواجسي وأقدمت... أقدمت وقدمت كل ما يمكن لامرأة تدين بدين العشق أن تقدمه، هل أخطأت عندما أعطيت كل شيء؟ نبهتني صديقة أنضج مني إلى أننا عندما نعطي كل شيء، لا يبقى للآخر ما يمكن أن يأخذه بعد، ربما كانت على حق، لست أدري...

لم أندم يومها، يوم قرر هو القطيعة، ولم أندم بعد ذلك، رغم كل الآلام، لم أعاتب...
في يوم ميلادي الستين، ابتكرت لأجله ستين سببا تبرر ابتعاده عني دون سبب... حزنت، أي نعم، لكن شبح حبي الأول الراحل جاء ليواسيني بأن أحرق عددا من "اللمبات" في المنزل، (هذه طريقته في مغازلتي من العالم الآخر!!!) طقت واحدة تلو الأخرى، اضطررت بعدها لإشعال الشموع، بعد أن كنت أطفأتها مع أصدقائي للتو في سهرة بهيجة...

أقول في نفسي، هنالك نساء يعشن حياة بأكملها دون اكتشاف سر العشق والولع، وأنا أسعدتني الحياة بهذا السحر مرتين، ولا يهم إن لم تكن هنالك ثالثة... والثالثة هي بالتأكيد من رابع المستحيلات... وإذا حدثت ستكون عجيبة الدنيا الثامنة، لذا فأنا لا أتوقعها وإن كنت لن أرفضها ـ إذا وقعت المعجزة ـ لكن قناعتي بما منحته لي الحياة من لحظات الحب الجارف ـ وقد عبأتها في القارورة الأثيرة ـ هي كنزي الذي لا يفنى...

قد ترتفع أصوات لتؤكد لي أن الحب يمكن أن يأتي في كل الأعمار، لكن هنا فقط تتغلب واقعيتي على رومانسيتي، استثنائيا، فأنا لست "الصبوحة" التي تسمح لنفسها أو يسمح موقعها بوقوع ملوك الجمال الشبان في شخصها، ولا أملك ثروة تجذب خلفي "الجيغولو" الوسيمين، كما أن من هم في مثل سني أصبحوا "عجائز"(صحيح!!!) وأنا لا زلت في عقلي وعواطفي أراوح في مراهقة تتأرجح ما بين سن الرابعة عشرة والخامسة عشرة وآه ونص!!!

بقي لي أن أسترجع لحظات "ذهب الزمان" كتابة، لأتذكر "اللازي ماضا" على طريقة ماري منيب التي هي أيضا، مثلي، "مدوباهم اتنين" كما تقول في إحدى مسرحياتها...

لا لست مازوشية ولا أستعذب العذاب... لكني أريد أن أكتب حكايات الهيام... لماذا أكتب؟ وهو السؤال الآخر... فقط لأرسل في عالم المدونات الافتراضي، وفي فضاء المستقبل، شيئا يشبه رسالة داخل زجاجة، قد يقع عليها قارئ أو قارئة في لحظة خاصة من حياته، يكون في حاجة إليها وسط عالم يزداد فيه الشر والقبح والبغض والقلق والخوف، يوما بعد يوم، لتبقى كتابتي شهادة امرأة أحبت بكل خلايا نسيج زمنها، وبكل ما أوتيت من وجد، امرأة عاشت حرة في كيانها، دون أن تسيء لأحد، لأشهد بأن هذا كان ممكنا، بالرغم من كل شيء، لعلهم يفعلون...

الفمتوثانية





في حساب الزمن : الفمتوثانية =1 على واحد أمامه 15 صفر من الثانية... هذا هو الحاضر، وربما أقل...


من رواية "تكوين العالم" la création du monde ،أحدث ما صدر للكاتب الفرنسي جان دورميسون Jean d’Ormesson عضو الأكاديمية الفرنسية.

جاء على لسان شخصية الخالق في الرواية، وهو يتحدث إلى البطل:

"... المستقبل مخيف لأنك لا تعرفه ولأنه آت لا محالة. ولأن ما لا نعرفه يثير القلق فينا دوما. والماضي قاسٍ لأنك عرفته ولأنه غادرك إلى الأبد، وقد تجمعت كل حسرات الدنيا في هاتين الكلمتين: "إلى الأبد".
على جانبي حاضرك االهش، يقف وحشان ظامئآن، الماضي والمستقبل، ينتظران ابتلاع عصارة الزمن. الأول ـ المستقبل ـ يتحرق شوقا للارتماء في أحضان الحاضر. والآخر ـ الماضي ـ فاغر فاه لالتهام الحاضر ذاته. بمجرد أن يتحول المستقبل إلى حاضر، يكون الماضي قد أتى عليه: ما تسمونه "الحاضر"، أنتم البشر، ليس سوى الهامش الضيق، حبة الرمل، الشعرة الهزيلة التي تفصل ما بين الماضي والمستقبل. بعبارة أخرى، يمكن اعتماد نظرية أن الحاضر غير موجود...

...أنتم تمضون حياتكم داخل شيء غير موجود تسمونه الحاضر...

الزمن هو نسيج الكون.

الحياة لغز على البشر أن يجدوا حله...

في البدء...حين كان الزمن يستعد للبزوغ من رحم الانفجار الكوني الأولي، لم يكن للماضي أي وجود، المستقبل وحده كان موجودا. التاريخ لم يبدأ بالذكرى، بل بدأ بالوعد. لم يكن هنالك ما يجب تذكّره، كان كل شيء مفتوحا على الأمل، وأول تصنيف للوعي التاريخي لم يكن الذكرى، وإنما الإشعار بالحدوث، الانتظار، الوعد. لكن مع جريان الزمن ومع تطور الكون انطلاقا من بروز "رأس الدبوس"(إشارة إلى بدء الخليقة)، بدأ المستقبل الرحب بالانكماش، وانقلب الوعد إلى ذكرى، فيما انتفخ وعاء الماضي.
ما الكون سوى آلة لإنتاج الماضي.

في الأصل، كان المستقبل هو الكل والماضي لا شيء. في النهاية، لن يكون هنالك مستقبل والماضي سيصبح هو كل شيء. التاريخ في المحصلة ليس إلا صراع بين الماضي والمستقبل حول اقتناص لحظة راهنة موجودة دائما وأبدا ومع ذلك غائبة على الدوام..."


شاءت الصدفة ، على افتراض أن المصادفات موجودة، أن أكون قد وصلت إلى الصفحة 103 وما بعدها من الكتاب الذي أعكف حاليا على قراءته في الوقت الذي بدأ الجدل حول تدوينتي السابقة وحول ضرورة خروجي من دائرة الماضي والذكريات بما تحمله من حزن وحنين إلى زمن ولى ورحلت أيامه مع من كانوا فيها.

قد يبدو النص فلسفيا أو حتى سفسطائيا بالنسبة للبعض، لكني قررت عرضه هنا، بعد ترجمته عن اللغة الفرنسية، قبل أن أدلي بوجهة نظري فيما كنت أريد قوله حول علاقتي بالزمان ونثرات ذهبه، و بالماضي وإمكان الخروج منه...وسيكون هذا في التدوينة المقبلة، وشكرا لصبركم، ولإصغائكم...
(موسيقى... تخيلوا مثلا أنها لليوناني ياني Yanni)

2007/02/15

رسالة إلى مجنون



باريس: ذات يوم، ذات شهر، ذات سنة

"...صباح الخير يا مجنون،
لكم كنت مجنونة مثلك
ولكم جرّحتني الحياة فحوّلتني إلى جبانة..
ولم أعد أجرؤ على طلب شيء منها.

أغلقت باب غرفة الأمنيات
وألقيت بمفتاحها في البحر
وسجنت نفسي في زنزانة الأحلام المستحيلة
ورميت بمفتاحها أيضا عبر قضبان الكوة الصغيرة
التي أنظر من خلالها إلى مربّع سماء أحلم بوساعتها وصفاء زرقتها
يمر القمر بين الحين والحين ليذكرني برومانسيتي الضائعة،
تتسع له المساحة عندما يكون هلالا ضئيلا
لكنه يتجزأ عندما يكتمل، لأنه يصبح أكبر من قدرة الكوة على استيعاب اكتماله
اليوم لا أعرف إن كنت قادرة على الخروج إلى النور
مجرد التفكير في التفاصيل يرعبني..

أدهشني كثيرا أن يكون هناك من يفكر بي بعد كامرأة
وأنا التي أحاول الإختباء في سمنتي وملابسي السوداء الفضفاضة
لهذا ضحكت كثيرا عندما كلمتني بالتلفون
وسألتني عن الحب في حياتي.. وعن المستقبل..
لهذا أنعتك بالجنون في مطلع هذه الرسالة
ولهذا تذكرت الحوار الصغير الذي سمعته مرة
في أحد كلاسيكيات السينما المصرية في عصرها الذهبي،
قال البطل للبطلة (وكان زمن البطولات!!!) ما معناه:
إستبد بي الأمل وأريد أن أفتح في حياتي صفحة جديدة،
قالت له: إستبد بي اليأس وأتمنّى أن أموت
أجابها طيب"موتي فيّ"!! (هاهاها)
بكل بساطة.

يخيّل إلي أن في هذا الحوار الصغير ما يلخص الحالة
لا أستطيع أن أقول شيئاً الآن، أعرف بل متأكدة من أنك جاد جدا،
لذا يجب أن نلتقي مجددا للتحدث في شجاعتك وفي مخاوفي
ولك خالص مودتي وامتناني
الجبانة الخوافة
"..."

هي كلمات قيلت في عصر جاهلية العشق، قبل الاستسلام،
قبل انطلاق روح الجنّية الهائمة من قمقم سكنته ألف عام،
هي كلمات قيلت قبل عودة الميلاد، قبل القسم والوعد،
قبل تعميدي بماء الشغف والولع والوله والوجد،
قبل اعتماد اسمي النارنجي الفريد
وقبل سنة الهجر التي بدأ بها تقويم عهدي الجديد،
كان هذا قبل الطوفان،
وقبل اكتشاف ذهب الزمان...

(سيتبع كثيرا ...)


اللوحة للفنانة هالة الفيصل

2007/02/13

فالنتاين في باريس



سنة وشهران ويوم واحد، أي ما مجموعه 427 يوما، مرت على ذلك اليوم الذي سمعت فيه صوتك للمرة الأخيرة، في الواقع، وما كففت عن سماع همسه في الخيال.

اليوم، فيما الكل يحتفل بما جرى الاصطلاح أن يسمّى "عيد الحب"، القطيعة لا زالت قائمة بيننا... رسميا، فأنت... ما فارقت حياتي لحظة. بعد الألم واللوعة في الأسابيع الأولى، عدت إلى عاداتي القديمة.. بالمخيلة.. أتخيّل أني أتصل بك، أحادثك، أحاورك، أسألك المشورة، أراضيك إذا ما تدللت في خصامك، وأنعم بوهم يديك على وجنتي، وبوهم صوتك يهمس بكلمة "عمري" أو يناديني بتسمية "نارنج" التي أذوب عند سماعها بنبراتك عندما تحنو...

اليوم، وكأن عليّ فرضا واجبا، أو سنّة لا بد من اتباعها، وبالرغم من آلامي الجسدية، تحمّلت وتجمّلت وتأبطت حقيبتي التي خبأت فيها سرا جديدا من أسرار عشقي الأزلي لروحك.. أخذت الأوتوبيس الأول ثم الثاني... وجهتي تلك الساحة الباريسية التي يوجد فيها أحد أرقى مقاهي عاصمة النور، لأجلس وخيالك في مواجهة مشهد غروب الشمس، لحظة تتأجج فيها الألوان الحارة لتخترق رمادي الغيوم، فيتلألأ برج إيفل ببهارج قوس قزح، وأنا أعرف عشقك للأقواس.

اخترتُ المكان الأنسب للاستمتاع بمرأى الشفق، المخمل الأرجواني في الستائر والمقاعد أشعرني بالدفء والأمان، وأشعل فيّ كل الرغبات، يا ليتك معي لكن... غير معقول، أنت هنا؟؟!!! شكرا لك... أراك لم تتخلف كما كانت الهواجس توسوس في أذن وجداني وأذين قلبي موحية لي بأنك نسيت...

لحظات وتغيب الشمس، لكنهم تداركوا العتمة بإشعال المصابيح البرتقالية... العجائز حولنا يثرثرن همسا، والسائحات اليابانيات بجوارنا حائرات في اختياراتهن، ماذا يشربن؟ نحن الإثنان لم نتردد عندما أطل الغرسون الشاب يسألنا ماذا نريد... اقترحت عليك أن أختار لكلينا...

أمسكتَ بيدي... أو خيّل إليّ أنك فعلت... وبيدك الأخرى رحت تمسد لحيتك الوسيمة، عينٌ عليّ وعينك الأخرى على يابانيات الجوار... لا فائدة من عينك الزائغة "البصباصة"، اجتاحتني موجة من الغيرة العارمة، والتفتُّ يمينا استرق النظر للقادمات من بلاد الشمس المشرقة إلى حيث جلسنا ننشد رؤية المغيب بكل روعته... واحدة فقط يمكن أن تستأثر باهتمامك، واثنتان على حدود القبح، أقولها وأنا أمقت عنصرية الجمال، فلطالما عانيت من عدم اعتراف الآخرين بجمالي "الداخلي"، أو ما يسمى "جمال الروح" تأدبّا... وإذا كنت لا أفهم سر انبهار الرجال بالجميلات فإني لا أنكر شغفي بوسامتك، ولهذا حكاية أخرى...

المهم أني اخترت "قدح" كونياك لي وفنجان قهوة لك، أقصد العكس... أقصد لا يهم بما أننا (أنني!!!) سنشرب (سأشرب) نخب وهمي الأزلي ولا يهم أي شفاه سترشف الكأس أو الفنجان... أمسكتُ بيديك... أو خيّل إلي أنني فعلت... وشددت عليهما، لكم أنا مشتاقة لهما... شددتُ وشددتُ، لكم أنا بشوق لكاريزما روحك التي تسلبني كل إرادة... تحسستُ الأصابع... أو خيّل إليّ أنني فعلتُ... قبلتها واحدة واحدة، أنت هنا... أو هكذا خيّل إليّ... وهذا بات يكفيني... زوّادتي إلى أن يقرر الخالق أن الأزل لم يعد أزلا...

هذا الكونياك المعتق، ألا يذكرك مذاقه بطعم نشوة سرعان ما تكتسي حرقة المرار كما يحدث عندما ينقلب وصلك إلى قطيعة وبعاد لا يستند إلى منطق؟ وهذه القهوة.. خذ منها رشفة.. بديعة أليس كذلك؟ كأن حبات البن فيها منتقاة من جنة عدن قبل أن "تتحمص" بنار الأشواق، وتطحنها .. بل تسحقها هموم الحياة وتعقيدات النفوس...

قبل أن أنسى... أنظر ما الذي أحضرته لك،
أخرجتُ من حقيبتي قلبا صغيرا من الساتان الوردي، ملفوف بشريط مزركش بخيوط من حرير مذهّب... أمسكتَ بالعلبة مستغربا، ها أنت تحل ربطة الحرير وتقرأ على الشريط.. "تي يامو"، "تي كييرو"، "جو تيم"، "آي لاف يو"، و"خربشات باليابانية"، وتقترح بأن تسأل جاراتنا السائحات عن معناها... أقطب جبيني للفكرة، تضحك ضحكتك الماكرة، وترسم على شفتيك مشروع قبلة تبعثها لي في الهواء...

ها قد فتحتَ العلبة... شوكولاته... خذ هذه، على شكل قلب، التهم قلبي المفعم بالعشق... لعل ولعي الطافح يتغلغل في أوردتك ويسري في شرايينك، هذا التأجج البركاني الذي لم تفلح شهور البعاد في إخماده...

تقضم قطعة الشوكولاته وأنت تنظر إلى ساعتك، حان وقت رحيلك على أجنحة الروح؟ أللزمن حساب حتى في عالم الأوهام؟!! تغادر المقهى، أحاول اللحاق بك، الغرسون يلحق بي... "مدام، لم تدفعي الحساب..."ـ صحيح، كدت أنسى.. لعالم الواقع حساب آخر!!

باريس، فالنتاين 2006،
صالح لفالنتاين 2007، بزيادة 365 يوما


2007/02/08

ذهب الزمان: نبتدي منين الحكاية




إلى رات...
هي اليوم من أعز الصديقات وأقربهن إلى ملامسة قاع الروح.. كان يمكن أن تكون ابنتي لو أنني لم أقرر، منذ الصغر، عدم الإنجاب لأسباب لم أعد أذكر تفاصيلها، ولست نادمة.. لكن لو أنني أنجبت بنتا لتمنيت أن تكون هي.. أحيانا يخطر في بالي أن أتصل بأمها لأشكرها على إيصالها للحياة بدلا مني !!!

لطالما سئلت عن الأمومة وعن الغريزة المسماة باسمها، وفي كل مرة، لم تكن الإجابة الصائبة تحضرني، فتكون تارة على شكل عبارة فلسفية من نوع: "لماذا الإنجاب في عالم كلة شقاء"، وتارة أخرى قفشة ساخرة من فئة: "لا أريد تكرار الخطأ الذي ترونه أمامكم"... وأحيانا كنت ألجأ للإجابة المعرّية الشهيرة، نسبة للملقب بـ "رهين المحبسين" أبي العلاء، فيلسوف المعرّة الذي طبقت شهرته الآفاق، والذي كان غيّر رأيه في الحياة لو أنه تذوّق حلوى "الشعيبيات" في المقهى الحقير ببلدة المعرّة، على طريق دمشق/ حلب... أبو العلاء المعرّي كان قد قرر قبل قرون من الزمن أن "هذا ما جناه عليّ أبي ولن أجْنِهِ على أحد!!!"

إذن، رفضتُ الذرية "القنبلة" (!) وكنت ـ ولا أزال ـ أعتقد أن مولد طفلة هو عبارة عن قنبلة موقوتة لا تعرف الأم متى يمكن أن تنفجر في وجهها... ومشيت في طريقي إلى أن التقيتها، قبل سنوات... تصغرني بعقدين من الزمن... لم أكن قد خرجت من مراهقتي وإن كنت قد تجاوزت الأربعين بقليل، ولم تكن قد غادرت طفولتها وإن تخطت العشرين بقليل.

لا يخيّل إليّ أني كنت مثلها في عمرها، الواقع أني كنت أشد خجلا في الظاهر، لكن تمردي لم يكن يقل عن تمرّدها... الآن وبعد تفكير، أظن أنها كانت النسخة "البوزيتيف" من "النجاتيف" الذي كنته. أحببت طيشها لكن تملكني الذعر من هشاشتها، فإذا بي أخاف عليها كما لو كانت تخصني، كنت أخشى عليها من الخدش والعطب، والناس من حولها ذئاب...

هل هذا هو حس الأمومة يا ترى؟ ربما... فتحت باب المحبة أمامها وانتظرت أن تدخل برغبتها... تركته مفتوحا، تخرج متى تشاء وتدخل متى تشاء، لاتفعل شيئا إلا برغبة صادقة، ما من ضرورة للمكاشفة بالأسرار، للعطاء، للأخذ، للتبادل، الحرية المطلقة في التعامل، ما من واجبات سوى صفاء المشاعر و نقاء السريرة...

ما بيننا ليس صداقة، فالصداقة كلمة فضفاضة تتسع لأشياء كثيرة لا تشبه ما بيني وبينها، وما بيننا ليس أمومة ولا بنوة، فلا أمها ولا أمي تعاملتا معنا بهذا الشكل...
أكثر ما أحبه في علاقتنا، لحظة تطلب مني أن أروي لها حكاية ذهب الزمان"... تماما كما يطالب الأطفال أهلهم بحكاية السندريلا أو الأميرة النائمة أو الشاطر حسن... أظن أن عينيها ستلتمعان ببريق التأثر بانتظار سماع الحكاية مجددا... الحكاية من اختراعي تأليفا وتلحينا، ولو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية...؟؟؟؟؟؟؟؟؟
(يتبع بالتأكيد...)

2007/02/04

نثرات الذهب الأولى





















أنصت إليك تتكلم وأجدك غريب الآطوار
طريقة تفكيرك تبدو لي غير مألوفة
أنا أتعايش مع الحياة، أتقبّلها
وأنت، تبحث دائما عن المشاعر والأحاسيس النادرة
لكن هل تستطيع أن تنكر بأن مجتمعنا
منظّم كما يجب وأن المال يسهّل العيش
يمكن شراء أي شيء، يمكن بيع كل شيء
لكنك أنت لن تحصل على شيء
لأنك تصر على البقاء حرا طليقا

أنا
أبحث عن ذهب الزمان، وأنت لن تفهمني
أبحث عن ذهب الزمان، وعن جمال الأشياء
في حجر القمر، في دفء صيف يتلاشى
في عودة ربيع يتفتق عبر ثنايا وريقات الوردة
أبحث عن ذهب الزمان... ولن تفهم ما أعني

لدي
أصدقاء طيبون
وطريق حياتي مرسوم سلفا
زوجة وطفل وأقساط بحساب
ميزانيتي منضبطة، بيتي أملكه
وبعد بضع سنوات، سأحال على المعاش.
منذ أن كنا صغارا أذكر عنك أفكارك الغريبة
كنت تقتنص شعاع شمس من قلب غيمة
وأنت تلعب تحت زخات المطر
كنت تردد دون هوادة أن الأوضاع يجب أن تتغير...

أنا
أبحث عن ذهب الزمان، وأنت لن تفهمني
أبحث عن ذهب الزمان، وعن جمال الأشياء
في صداقة متينة، في قضية نبيلة، في مدينة فاضلة
أبحث عن ذهب الزمان... ولن تفهم ما أعني


أنت كثير الارتجال في حياتك
وقد حولت الوجود إلى مغامرة
كسباق للبحث عن كنز من الأوهام
ما أنت سوى هامشي دائم الترحال
شاعر مجنون يزدري القوانين والأموال
الزمن سينال منك عندما ستصبح عجوزا
ستغدو بلا حول ولا قوة وسينفض عنك الخلاّن
حين سيخبو البريق الذي تزيّن به أيام حياتك اليوم
وأعترف، سرا، بأن غيابه عن حياتي يؤرقني أحيانا...

أنا
أبحث عن ذهب الزمان، وأنت لن تفهمني
أبحث عن ذهب الزمان، حيث توجد الحياة الحقة
حيث استقر الإنسان الأصيل،
ليسمع أصوات رسل البشرية
تحدثه عن جوهر الحب،
هناك حيث تعبر ظلالهم هامسة
تفصح عن أسباب العشق وأسرار والوجد...
أبحث عن ذهب الزمان... ولن تفهم ما أعني
أبحث عن ذهب الزمان... فهو وحده يهمني ويعنيني

من وحي أغنية فرنسية بعنوان "ذهب الزمان" للفنان شارل ديمون،
قام بتسجيلها عام 1975
وشاركه في أدائها، بدور المحاور اللائم، الممثل الفرنسي القدبر فرنسوا بيرييه.


(يتبع...)