2007/02/13

فالنتاين في باريس



سنة وشهران ويوم واحد، أي ما مجموعه 427 يوما، مرت على ذلك اليوم الذي سمعت فيه صوتك للمرة الأخيرة، في الواقع، وما كففت عن سماع همسه في الخيال.

اليوم، فيما الكل يحتفل بما جرى الاصطلاح أن يسمّى "عيد الحب"، القطيعة لا زالت قائمة بيننا... رسميا، فأنت... ما فارقت حياتي لحظة. بعد الألم واللوعة في الأسابيع الأولى، عدت إلى عاداتي القديمة.. بالمخيلة.. أتخيّل أني أتصل بك، أحادثك، أحاورك، أسألك المشورة، أراضيك إذا ما تدللت في خصامك، وأنعم بوهم يديك على وجنتي، وبوهم صوتك يهمس بكلمة "عمري" أو يناديني بتسمية "نارنج" التي أذوب عند سماعها بنبراتك عندما تحنو...

اليوم، وكأن عليّ فرضا واجبا، أو سنّة لا بد من اتباعها، وبالرغم من آلامي الجسدية، تحمّلت وتجمّلت وتأبطت حقيبتي التي خبأت فيها سرا جديدا من أسرار عشقي الأزلي لروحك.. أخذت الأوتوبيس الأول ثم الثاني... وجهتي تلك الساحة الباريسية التي يوجد فيها أحد أرقى مقاهي عاصمة النور، لأجلس وخيالك في مواجهة مشهد غروب الشمس، لحظة تتأجج فيها الألوان الحارة لتخترق رمادي الغيوم، فيتلألأ برج إيفل ببهارج قوس قزح، وأنا أعرف عشقك للأقواس.

اخترتُ المكان الأنسب للاستمتاع بمرأى الشفق، المخمل الأرجواني في الستائر والمقاعد أشعرني بالدفء والأمان، وأشعل فيّ كل الرغبات، يا ليتك معي لكن... غير معقول، أنت هنا؟؟!!! شكرا لك... أراك لم تتخلف كما كانت الهواجس توسوس في أذن وجداني وأذين قلبي موحية لي بأنك نسيت...

لحظات وتغيب الشمس، لكنهم تداركوا العتمة بإشعال المصابيح البرتقالية... العجائز حولنا يثرثرن همسا، والسائحات اليابانيات بجوارنا حائرات في اختياراتهن، ماذا يشربن؟ نحن الإثنان لم نتردد عندما أطل الغرسون الشاب يسألنا ماذا نريد... اقترحت عليك أن أختار لكلينا...

أمسكتَ بيدي... أو خيّل إليّ أنك فعلت... وبيدك الأخرى رحت تمسد لحيتك الوسيمة، عينٌ عليّ وعينك الأخرى على يابانيات الجوار... لا فائدة من عينك الزائغة "البصباصة"، اجتاحتني موجة من الغيرة العارمة، والتفتُّ يمينا استرق النظر للقادمات من بلاد الشمس المشرقة إلى حيث جلسنا ننشد رؤية المغيب بكل روعته... واحدة فقط يمكن أن تستأثر باهتمامك، واثنتان على حدود القبح، أقولها وأنا أمقت عنصرية الجمال، فلطالما عانيت من عدم اعتراف الآخرين بجمالي "الداخلي"، أو ما يسمى "جمال الروح" تأدبّا... وإذا كنت لا أفهم سر انبهار الرجال بالجميلات فإني لا أنكر شغفي بوسامتك، ولهذا حكاية أخرى...

المهم أني اخترت "قدح" كونياك لي وفنجان قهوة لك، أقصد العكس... أقصد لا يهم بما أننا (أنني!!!) سنشرب (سأشرب) نخب وهمي الأزلي ولا يهم أي شفاه سترشف الكأس أو الفنجان... أمسكتُ بيديك... أو خيّل إلي أنني فعلت... وشددت عليهما، لكم أنا مشتاقة لهما... شددتُ وشددتُ، لكم أنا بشوق لكاريزما روحك التي تسلبني كل إرادة... تحسستُ الأصابع... أو خيّل إليّ أنني فعلتُ... قبلتها واحدة واحدة، أنت هنا... أو هكذا خيّل إليّ... وهذا بات يكفيني... زوّادتي إلى أن يقرر الخالق أن الأزل لم يعد أزلا...

هذا الكونياك المعتق، ألا يذكرك مذاقه بطعم نشوة سرعان ما تكتسي حرقة المرار كما يحدث عندما ينقلب وصلك إلى قطيعة وبعاد لا يستند إلى منطق؟ وهذه القهوة.. خذ منها رشفة.. بديعة أليس كذلك؟ كأن حبات البن فيها منتقاة من جنة عدن قبل أن "تتحمص" بنار الأشواق، وتطحنها .. بل تسحقها هموم الحياة وتعقيدات النفوس...

قبل أن أنسى... أنظر ما الذي أحضرته لك،
أخرجتُ من حقيبتي قلبا صغيرا من الساتان الوردي، ملفوف بشريط مزركش بخيوط من حرير مذهّب... أمسكتَ بالعلبة مستغربا، ها أنت تحل ربطة الحرير وتقرأ على الشريط.. "تي يامو"، "تي كييرو"، "جو تيم"، "آي لاف يو"، و"خربشات باليابانية"، وتقترح بأن تسأل جاراتنا السائحات عن معناها... أقطب جبيني للفكرة، تضحك ضحكتك الماكرة، وترسم على شفتيك مشروع قبلة تبعثها لي في الهواء...

ها قد فتحتَ العلبة... شوكولاته... خذ هذه، على شكل قلب، التهم قلبي المفعم بالعشق... لعل ولعي الطافح يتغلغل في أوردتك ويسري في شرايينك، هذا التأجج البركاني الذي لم تفلح شهور البعاد في إخماده...

تقضم قطعة الشوكولاته وأنت تنظر إلى ساعتك، حان وقت رحيلك على أجنحة الروح؟ أللزمن حساب حتى في عالم الأوهام؟!! تغادر المقهى، أحاول اللحاق بك، الغرسون يلحق بي... "مدام، لم تدفعي الحساب..."ـ صحيح، كدت أنسى.. لعالم الواقع حساب آخر!!

باريس، فالنتاين 2006،
صالح لفالنتاين 2007، بزيادة 365 يوما


3 comments:

Diala said...

نارنجة

جمال روحك عبر القارات ليصل إلينا أعجب أشد العجب لمن لا يعترف به

الله يهدي بالك

محبتي دوما

IronMask said...

أصوات كثيرة ترددت اليوم في رأسي
العيد هو محور كل تلك الاصوات،
أكتملت تلك الاصوات بما قرأته في هذا البوست

لا أدري ماذا أقول،

:-)

linalone said...

Ton poste comme le dernier de Khaled (ironmask)est l'un des rares textes que j'ai lu et qui m'ont projete dans le moment que vous viviez ou que vous avez vecu. J'ai contemple avec vous la nuit tomber, j'ai vu la boite de chocolat s'ouvrir, les japonaises de la table voisine, la tasse de cafe, ...
Mes meilleurs voeux...