2007/02/18

الفمتوثانية





في حساب الزمن : الفمتوثانية =1 على واحد أمامه 15 صفر من الثانية... هذا هو الحاضر، وربما أقل...


من رواية "تكوين العالم" la création du monde ،أحدث ما صدر للكاتب الفرنسي جان دورميسون Jean d’Ormesson عضو الأكاديمية الفرنسية.

جاء على لسان شخصية الخالق في الرواية، وهو يتحدث إلى البطل:

"... المستقبل مخيف لأنك لا تعرفه ولأنه آت لا محالة. ولأن ما لا نعرفه يثير القلق فينا دوما. والماضي قاسٍ لأنك عرفته ولأنه غادرك إلى الأبد، وقد تجمعت كل حسرات الدنيا في هاتين الكلمتين: "إلى الأبد".
على جانبي حاضرك االهش، يقف وحشان ظامئآن، الماضي والمستقبل، ينتظران ابتلاع عصارة الزمن. الأول ـ المستقبل ـ يتحرق شوقا للارتماء في أحضان الحاضر. والآخر ـ الماضي ـ فاغر فاه لالتهام الحاضر ذاته. بمجرد أن يتحول المستقبل إلى حاضر، يكون الماضي قد أتى عليه: ما تسمونه "الحاضر"، أنتم البشر، ليس سوى الهامش الضيق، حبة الرمل، الشعرة الهزيلة التي تفصل ما بين الماضي والمستقبل. بعبارة أخرى، يمكن اعتماد نظرية أن الحاضر غير موجود...

...أنتم تمضون حياتكم داخل شيء غير موجود تسمونه الحاضر...

الزمن هو نسيج الكون.

الحياة لغز على البشر أن يجدوا حله...

في البدء...حين كان الزمن يستعد للبزوغ من رحم الانفجار الكوني الأولي، لم يكن للماضي أي وجود، المستقبل وحده كان موجودا. التاريخ لم يبدأ بالذكرى، بل بدأ بالوعد. لم يكن هنالك ما يجب تذكّره، كان كل شيء مفتوحا على الأمل، وأول تصنيف للوعي التاريخي لم يكن الذكرى، وإنما الإشعار بالحدوث، الانتظار، الوعد. لكن مع جريان الزمن ومع تطور الكون انطلاقا من بروز "رأس الدبوس"(إشارة إلى بدء الخليقة)، بدأ المستقبل الرحب بالانكماش، وانقلب الوعد إلى ذكرى، فيما انتفخ وعاء الماضي.
ما الكون سوى آلة لإنتاج الماضي.

في الأصل، كان المستقبل هو الكل والماضي لا شيء. في النهاية، لن يكون هنالك مستقبل والماضي سيصبح هو كل شيء. التاريخ في المحصلة ليس إلا صراع بين الماضي والمستقبل حول اقتناص لحظة راهنة موجودة دائما وأبدا ومع ذلك غائبة على الدوام..."


شاءت الصدفة ، على افتراض أن المصادفات موجودة، أن أكون قد وصلت إلى الصفحة 103 وما بعدها من الكتاب الذي أعكف حاليا على قراءته في الوقت الذي بدأ الجدل حول تدوينتي السابقة وحول ضرورة خروجي من دائرة الماضي والذكريات بما تحمله من حزن وحنين إلى زمن ولى ورحلت أيامه مع من كانوا فيها.

قد يبدو النص فلسفيا أو حتى سفسطائيا بالنسبة للبعض، لكني قررت عرضه هنا، بعد ترجمته عن اللغة الفرنسية، قبل أن أدلي بوجهة نظري فيما كنت أريد قوله حول علاقتي بالزمان ونثرات ذهبه، و بالماضي وإمكان الخروج منه...وسيكون هذا في التدوينة المقبلة، وشكرا لصبركم، ولإصغائكم...
(موسيقى... تخيلوا مثلا أنها لليوناني ياني Yanni)

3 comments:

Anonymous said...

تحليلٌ مدهش للزمن..لم أتخيل أن الصورة بهذه البساطة، أو ربما بهذا التعقيد!؟
أستمتع دائماً بقراءة هذه المدونة..
تحياتي

هي said...

عفوا نارنجتي
و لكن ما الجديد الذي اتى خالق
د ورميسون هذا
انت و انا و كثر نعرف هذه الحقيقة، كما نعرف ان هناك طرقا لاقتناص لحظة الحاضر التي تساوي واحد على واحد او على وحدة حتى و امامه 15 صفر من الثانية
الحاضر هو ما افعله في هذه الثانية بالذات قبل ان يبتلعها الماضي و لي كل الحق بالاستمتاع بال 15 صفر من الثانية اذا اردت هكذا فقط بامكاني توجيه لكمة الى الماضي و الى المستقبل
ليس الامر سهلا بعرف لكنه ينجح في بعض المرات
و انا في هذه اللحظة الحاضرة بالذات استمتع بسعادتي التي لا توصف كونك بدأت تكتبين في مدونة
تضفي المزيد من التشويق على ما ستأتين به في المستقبل القريب
وين صارت حكاية ذهب الزمان؟؟

هي said...

*الذي اتى به خالق...