بين
ما أفكر
وما أريد قوله
وما أظن أني قلته
وما قلته فعلا
وما ترغب أنت في سماعه
وما تظن أنك سمعته
وما سمعته فعلا
وما تريد أن تفهمه
وما فهمته فعلا،
هنالك ما يقارب العشرة احتمالات في حدوث "سوء تفاهم" بيننا...
ومع ذلك فلنحاول..."
حاولوا أن تفهموني...
أولا، لست صاحبة المقولة المذكورة أعلاه، بل هي للكاتب الفرنسي برنار فيربير، الذي ذاع صيته بين الأجيال الشابة من القراء الفرنكوفونيين كأحد أشهر كتاب روايات الخيال العلمي، وأعترف أنني عندما قرأت هذا المقطع الذي يفتتح به إحدى رواياته، تمنيت لو أنني كنت صاحبة المقولة، فقد عبّرَتْ تماما (أو هكذا ظننت ربما!!!) عمّا أشعر به تجاه المهنة الإعلامية بشكل عام، ومختلف فروعها، من مكتوب ومسموع ومرئي...
وما قد يأتي في المستقبل البعيد الذي سيعيشه أولادكم وأحفادكم،
بما أنني، شخصيا، حاولت المساهمة في عدم إرهاق الكوكب المتعب، أي الأرض، بذرية لي قد لا تكون صالحة، فقط من باب التزامي بالحفاظ على البيئة...
فالأبناء كاليانصيب، من يدري، مهما حاولنا أن نربيهم أفضل تربية، تتدخل عوامل كثيرة في تشكيل طباعهم، ومستقبلهم، أقل هذه العوامل القَدَر (ما أكبرها من كلمة!)، وأقوى هذه العوامل، المدرسة، الرفاق، وطبعا الإعلام...
الإعلام "المكتوب" الذي تتضاءل أهميته لصالح "المسموع"، و"المسموع" الذي تتراجع "فلوله"( وتكاد تصبح مقتصرة على سائقي السيارات وراكبيها) أمام هجمات "المرئي"، والمرئي بتطاوله على مختلف مرافق الحياة...
أتوقف هنا برهة لأتخيل بأنه قد يأتي زمن ويصبح فيه الإعلام "مشموما"، أو"متذوقا"، لأن حواسنا الأخرى قد تطالب، ذات يوم، بنصيبها من الوجبة الإعلامية التي أصبحت حاجة، كالخبز اليومي،
هذا إذا لم نكن في حالة حمية غذائية تنصح بالابتعاد عنه، (أي الخبز)، طالما أن الأطباء لم يفكروا بعد بنصيحة مرضاهم بالابتعاد عن القنوات الإخبارية، أو قنوات الأغاني، حفاظا على أعصابهم أو مشاعرهم،
ولو أني فعلا، وقعت، في مرة من المرات، على أخصائي في إحدى فصائل الطب البديل لمعالجة حالة اكتئاب عابرة، فلما اكتشف أن مهنتي الإذاعية تفرض عليّ سماع كم هائل من الأغاني، أوصاني بالتوقف عن سماعها، على الأقل، ما هو حزين منها، والحقيقة أني لم التزم بتوصيته، لأني كنت، ولازلت، أعاني من إدمان في هذا المجال..
أظن أني شططت كثيرا، عما كنت أريد قوله،
وهو أنه في ظل كل احتمالات سوء التفاهم الممكنة في أي تواصل بين الأشخاص، لماذا نضيف مشكلة "عدم الدقة"،
(أعرف أن التدقيق متعب وقد يبدو مملا أو مضيعة للوقت، ولكن ما الذي نفعله بالدقائق القليلة التي نوفرها من الوقت الضائع في التدقيق)،
ولماذا نضيف على احتمالات الوقوع في فخ "سوء التفاهم" مسألة "تجميل الكلام" ليصبح أكثر إثارة، بحيث يستفز "عنوان الكلام" المتلقي، قارئا كان أم مستمعا أم مشاهدا، دون أن نقدّر ما سيلحق بصاحب العلاقة من أذى، أو ما سيشعر به المتلقي من خيبة عندما سيجد أن كلام العنوان غير متطابق مع مضمون المقولة..
لماذا تتم معالجة الأمور إعلاميا وكأن الواقع قبيح أو باهت، وكأن الحقيقة غير جميلة، وكأنها غير قابلة للتسويق (والتشويق!) ...مع أن أحد توجهات الإعلام اليوم ذلك الجانب المسمى "تلفزيون الواقع"، وطبعا هو أيضا واقع "مجمّل!
لم يعد أحد يفطن إلى أن هنالك حقائق جميلة، وواقع ممتع.
الملح والسكر والبهارات، نعم، تزيد الحياة إثارة ومتعة، أحيانا، ولكن هل يخطر ببالنا القيام بتجربة أن نعود ونقضم تفاحة (لن أشط عن الموضوع، لا بتفاحة أدم ولا بتفاحة نيوتن!)، مجرد قضم تفاحة عادية، تفاحة بسيطة، غير مهجنة، "أورغانيك" كما يقول أتباع العودة للطبيعة، تفاحة دون سيليكون، يتم قضمها والعينان مغمضتان، لإعادة إكتشاف كنه التفاح أو الجوهر، ملامسة الحياة، متعة الحواس في بدائيتها...
وأرجو أن لا تفهموني غلط !!
1 comment:
نارنجة
"أتوقف هنا برهة لأتخيل بأنه قد يأتي زمن ويصبح فيه الإعلام "مشموما"، أو"متذوقا"،
ضحكتيني
انا من جهتي كنت سعيدة باكتشاف نص جديد و جدير بالقراءة و من جهتي ايضا
سأفهمك غلط:)))
Post a Comment